العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل: تحالف وظيفي أم شراكة استراتيجية؟
منذ تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، نشأت علاقة فريدة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية. لم تكن مجرد علاقة تحالف تقليدي، بل علاقة ذات طابع وظيفي تتجاوز الجغرافيا والسياسة، تتشابك فيها الأيديولوجيا مع المصالح العسكرية والاقتصادية والدينية والثقافية. لكن هذا التحالف لا يخلو من تمايزات داخلية في المواقف الأمريكية، خاصة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولا يخلو من تساؤلات عن مستقبل هذا الارتباط.
أولًا: الجذور الوظيفية للعلاقة
إسرائيل كـ"جماعة وظيفية"
المصطلح الذي يُستخدم أحيانًا لوصف إسرائيل بأنها "جماعة وظيفية" في المنظومة الغربية يعكس دورها كأداة جيوسياسية تؤدي وظائف استراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، من أبرزها:
- منصة عسكرية متقدمة في قلب العالم العربي، تساعد في مراقبة وتقييد النفوذ السوفيتي سابقًا والإيراني لاحقًا.
- تحجيم الطموحات القومية العربية في القرن العشرين، وعرقلة مشاريع الوحدة أو الاستقلال الاستراتيجي.
- اختبار للأسلحة الأمريكية في بيئة حرب واقعية، وهو ما حدث مع "القبة الحديدية" وأنظمة الدفاع الجوي المختلفة.
- تقديم خدمات استخباراتية عالية القيمة لأمريكا، خاصة في ما يتعلق بإيران والتنظيمات المسلحة.
- عامل استنزاف داخلي للعالم العربي عبر إشغال المنطقة بصراع دائم يحول دون التنمية المستقلة أو الديمقراطية الحقيقية.
هذه الوظائف جعلت من دعم إسرائيل ليس فقط خيارًا أيديولوجيًا أو أخلاقيًا كما تروّج بعض الخطابات، بل أولوية استراتيجية في منظومة الهيمنة الأمريكية.
ثانيًا: الفروقات بين الجمهوريين والديمقراطيين
الجمهوريون: الدعم المطلق واللا مشروط
- يعتبرون إسرائيل حليفًا أيديولوجيًا ودينيًا، خاصة لدى التيار الإنجيلي المسيحي الذي يرى قيام إسرائيل جزءًا من نبوءات دينية.
- دعم غير مشروط للعمليات العسكرية الإسرائيلية، كما حدث خلال حروب غزة، دون اعتبار كبير للقانون الدولي أو المدنيين.
- ترامب نموذج صارخ: نقل السفارة إلى القدس، اعترف بالجولان، قطع التمويل عن الأونروا، وروّج لـ"صفقة القرن" التي ألغت فعليًا فكرة الدولة الفلسطينية.
الديمقراطيون: دعم مشروط ومتناقض
- غالبًا ما يحاول الديمقراطيون الجمع بين دعم إسرائيل والتأكيد على حقوق الإنسان، ما يخلق توترًا مع الحكومات اليمينية في إسرائيل.
- بعض الأصوات في الحزب بدأت تُظهر مواقف ناقدة لإسرائيل، مثل النائبة "إلهان عمر" و"رشيدة طليب" و"بيرني ساندرز".
- مع ذلك، الإدارات الديمقراطية (مثل إدارة بايدن) ما زالت تمنح مساعدات ضخمة لإسرائيل، لكنها تمارس أحيانًا ضغطًا خفيفًا لوقف التوسع الاستيطاني أو الحد من العنف في غزة.
خلاصة الفرق
- الجمهوريون يدعمون إسرائيل انطلاقًا من تحالف ديني واستراتيجي مباشر.
- الديمقراطيون يدعمونها ضمن إطار سياسي أكثر مرونة وتكتيكًا، مع مراعاة الرأي العام العالمي ومبادئ حقوق الإنسان.
ثالثًا: من يسيطر على العلاقة؟
اللوبي الصهيوني: تأثير داخلي ضخم
- اللوبي اليهودي في أمريكا، وخاصة AIPAC، يتمتع بنفوذ هائل داخل الكونغرس، ويعمل على ضمان بقاء الدعم الأمريكي لإسرائيل بغض النظر عن الحزب الحاكم.
- التأثير لا يقتصر على السياسة، بل يمتد إلى الإعلام، الجامعات، والتمويل الانتخابي.
الإنجيليون: الحليف غير اليهودي الأهم لإسرائيل
- يمثلون قاعدة انتخابية ضخمة، خاصة في الحزب الجمهوري.
- يدعمون إسرائيل انطلاقًا من معتقدات دينية ترتبط بعودة المسيح ونهاية العالم، مما يجعل دعمهم مطلقًا وغير قابل للنقاش.
البنتاغون والمجتمع الاستخباراتي
- يرى في إسرائيل شريكًا موثوقًا في منطقة معقدة.
- يعتمد على إسرائيل في العديد من العمليات الاستخباراتية، خاصة فيما يخص إيران وحزب الله وسوريا.
هل إسرائيل تؤثر أم تتأثر؟
- رغم النفوذ الإسرائيلي في واشنطن، فإن العلاقة تخضع أولًا وأخيرًا لمعادلات المصلحة الأمريكية.
- إسرائيل لا تستطيع فرض قرارات استراتيجية على أمريكا، لكنها قادرة على التأثير في توجهاتها عبر اللوبيات والتحالفات الداخلية.
رابعًا: مستقبل العلاقة
التحديات:
- تحول الرأي العام الأمريكي، خاصة بين الشباب واليسار، حيث تتزايد الأصوات التي تنتقد الاحتلال وتدعو لإنهاء المساعدات غير المشروطة.
- التوتر بين القيم الليبرالية الأمريكية والانتهاكات الإسرائيلية، مما يحرج الإدارات الديمقراطية ويؤثر على صورتها الدولية.
- صعود قوى إقليمية جديدة مثل تركيا وإيران، وتغير موازين القوة مع تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل.
- التحول في أولويات أمريكا نحو آسيا والصين، ما قد يقلل من الأهمية النسبية لإسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية.
السيناريوهات المحتملة:
- استمرار التحالف الاستراتيجي مع بعض التوترات: وهو الأرجح، حيث تبقى إسرائيل أداة مهمة، لكن بتكاليف سياسية متزايدة.
- إعادة تقييم الدعم في حالة تغير القيادة السياسية داخل الحزب الديمقراطي أو تصاعد الحركات المناهضة للاحتلال.
- تزايد عزلة إسرائيل الدولية في حال استمرار سياستها اليمينية المتطرفة، مما قد يجعل أمريكا تواجه ضغوطًا للتخلي عن بعض أوجه الدعم.
العلاقة بين أمريكا وإسرائيل ليست تحالفًا بريئًا أو عاطفيًا، بل هي علاقة مركّبة ووظيفية تتقاطع فيها المصالح مع الأيديولوجيا واللوبيات الداخلية. وبينما يبدو أن الدعم الأمريكي لإسرائيل مضمون على المدى القريب، فإن التحولات الداخلية في أمريكا والتحولات الجيوسياسية في العالم قد تعيد رسم هذه العلاقة في العقود القادمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق