اللوبي الصهيوني في أمريكا: جذوره، نشاطاته، وأمثلة على تأثيره
اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة هو واحد من أقوى جماعات الضغط في السياسة الأمريكية، حيث يتمتع بنفوذ واسع في توجيه القرارات السياسية والاقتصادية لصالح إسرائيل. يهدف هذا اللوبي إلى تعزيز الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، سواء من خلال التأثير على الكونغرس والرئاسة أو من خلال التغلغل في الأوساط الإعلامية والأكاديمية. يعتمد اللوبي الصهيوني على شبكة واسعة من المنظمات والشخصيات المؤثرة التي تعمل بشكل منسق لتحقيق أهدافه.
جذور اللوبي الصهيوني في أمريكا
بدأ نفوذ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة يتبلور في أوائل القرن العشرين مع تأسيس الحركة الصهيونية العالمية. في عام 1948، مع إعلان قيام دولة إسرائيل، تضاعفت الجهود لضمان الدعم الأمريكي لها. من أبرز الأحداث التي ساهمت في ترسيخ هذا النفوذ:
-
تأسيس لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية (AIPAC):
تأسست في عام 1951 وأصبحت منذ ذلك الحين أداة رئيسية لضمان تقديم الدعم السياسي والمالي والعسكري لإسرائيل. -
الهجرة اليهودية إلى أمريكا:
ساهمت الهجرة اليهودية الكبيرة إلى الولايات المتحدة في إنشاء مجتمع يهودي نشط اقتصاديًا وسياسيًا، ما وفر قاعدة قوية لدعم إسرائيل. -
الدعم المسيحي الصهيوني:
انضم العديد من المسيحيين الإنجيليين إلى اللوبي الصهيوني بسبب قناعات دينية تدعم قيام إسرائيل كجزء من النبوءات التوراتية.
آليات عمل اللوبي الصهيوني في أمريكا
1. التأثير السياسي:
-
الدعم المالي للمرشحين:
يقوم اللوبي الصهيوني بتمويل الحملات الانتخابية للمرشحين الذين يتعهدون بدعم إسرائيل. على سبيل المثال، يتم تخصيص ملايين الدولارات لمرشحين في الكونغرس لضمان ولائهم لإسرائيل.- مثال: في الانتخابات الأمريكية، قدمت منظمات مثل AIPAC دعمًا ماليًا وسياسيًا لمرشحين بارزين مثل السيناتور ليندسي غراهام، المعروف بدعمه القوي لإسرائيل.
-
إعداد التشريعات:
يعمل اللوبي على صياغة القوانين التي تدعم إسرائيل.- مثال: قانون نقل السفارة الأمريكية إلى القدس عام 2018، والذي حظي بدعم واسع من أعضاء الكونغرس المدعومين من اللوبي الصهيوني.
-
الفيتو في الأمم المتحدة:
تعمل الولايات المتحدة دائمًا على استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرارات تدين إسرائيل.- مثال: في عام 2021، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ضد مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.
2. التأثير الإعلامي:
-
السيطرة على وسائل الإعلام:
يمتلك اللوبي الصهيوني نفوذًا كبيرًا في الإعلام الأمريكي من خلال تمويل المؤسسات الإعلامية أو التأثير على الخط التحريري.- مثال: تغطية الأحداث في غزة غالبًا ما تركز على الدفاع عن إسرائيل وتصوير الفلسطينيين كمعتدين.
-
تشويه الخصوم:
يتم استهداف الشخصيات السياسية أو العامة التي تنتقد إسرائيل من خلال اتهامها بمعاداة السامية.- مثال: السياسي البريطاني جيريمي كوربين تعرض لحملة تشويه واسعة بسبب مواقفه المؤيدة للفلسطينيين.
3. التغلغل الأكاديمي والثقافي:
-
تمويل الجامعات:
يقوم اللوبي بتمويل برامج أكاديمية تدعم الرواية الإسرائيلية للصراع في الشرق الأوسط.- مثال: دعم الدراسات الإسرائيلية وبرامج الشرق الأوسط في جامعات مثل هارفارد وكولومبيا.
-
محاربة حركة المقاطعة (BDS):
يسعى اللوبي الصهيوني إلى محاربة أي جهود تدعو لمقاطعة إسرائيل.- مثال: في عام 2019، مررت العديد من الولايات الأمريكية قوانين تحظر التعامل مع الشركات التي تدعم حركة BDS.
4. الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل:
-
المساعدات العسكرية:
تعتبر إسرائيل أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأمريكية، حيث تحصل على حوالي 3.8 مليار دولار سنويًا.- مثال: خلال العدوان على غزة في 2021، قدمت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا عاجلًا لإسرائيل.
-
التعاون التكنولوجي:
يتم تعزيز الشراكة التكنولوجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة في مجالات الأمن والدفاع.- مثال: تطوير نظام "القبة الحديدية" بدعم وتمويل أمريكي.
أبرز المنظمات الصهيونية في أمريكا
1. AIPAC (لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الإسرائيلية):
- تعد من أقوى جماعات الضغط، وتعمل على ضمان تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل.
2. ADL (رابطة مكافحة التشهير):
- تروج لخطاب مكافحة معاداة السامية لكنها تستخدم ذلك كذريعة لدعم إسرائيل.
3. StandWithUs:
- تركز على التأثير في الشباب والطلاب من خلال نشر الرواية الإسرائيلية في الجامعات.
4. J Street:
- تقدم نفسها كمنظمة ليبرالية لكنها تعمل في النهاية لصالح إسرائيل.
أمثلة على نجاحات اللوبي الصهيوني في أمريكا
1. نقل السفارة الأمريكية إلى القدس:
- في عام 2018، نجح اللوبي الصهيوني في الضغط على إدارة ترامب لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
2. دعم العدوان على غزة:
- خلال حرب غزة 2021، قدمت الولايات المتحدة دعمًا دبلوماسيًا وعسكريًا لإسرائيل بضغط مباشر من اللوبي الصهيوني.
3. إضعاف حركة BDS:
- استطاع اللوبي تمرير قوانين في العديد من الولايات تعاقب الشركات والأفراد الذين يدعمون المقاطعة.
تحديات تواجه اللوبي الصهيوني
-
تزايد الدعم للقضية الفلسطينية:
الشباب الأمريكي، خصوصًا بين صفوف الديمقراطيين، بدأ يظهر دعمًا متزايدًا للفلسطينيين. -
الانتقادات من الداخل:
هناك أصوات يهودية أمريكية تعارض سياسات إسرائيل، مثل منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام". -
الفضائح السياسية:
الاتهامات بالتدخل في السياسة الأمريكية لصالح إسرائيل بدأت تثير قلقًا بين الأمريكيين.
اللوبي الصهيوني في أمريكا يعد نموذجًا فريدًا لجماعات الضغط التي استطاعت بناء نفوذ قوي ومستدام. ومع ذلك، فإن تزايد الوعي العالمي بقضية فلسطين، ونقد السياسات الإسرائيلية من داخل وخارج أمريكا، يشكل تحديًا لهذا اللوبي. التصدي لتأثيره يتطلب تعزيز حركة المقاطعة، ودعم الإعلام الحر، وزيادة الوعي بمخاطر الاستعمار الإسرائيلي على السلام العالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق