الخميس، 16 يناير 2025

البسط والقبض فى الشريعة الاسلامية

نظرية البسط والقبض في الشريعة في فكر عبد الكريم سروش

يعتبر عبد الكريم سروش من أبرز المفكرين المعاصرين في العالم الإسلامي، وقد قدّم رؤى جديدة ومهمة في تفسير الشريعة الإسلامية، لاسيما من خلال مفهوم "البسط والقبض" الذي يعبر عن تغيّر وتطور الشريعة بحسب السياقات الاجتماعية والثقافية المختلفة. في هذا المقال، سنتناول نظرية "البسط والقبض" في فكر سروش، وكيف يعكس هذا المفهوم مرونة الشريعة الإسلامية وقدرتها على التفاعل مع مختلف الأزمنة والبيئات.

أولاً: مفهوم البسط والقبض

البسط في مفهوم سروش يعني الانفتاح والتوسّع في فهم الشريعة، حيث يتم تكييفها مع احتياجات العصر وظروف المجتمع. يعبّر البسط عن تلك اللحظات التي تتسع فيها حدود الفهم والتفسير للشريعة، مما يتيح المجال لتعدد الآراء والاجتهادات في تفسير النصوص الدينية. في هذه المرحلة، يُنظر إلى الشريعة على أنها قابلة للتطوير والتفاعل مع التغيرات الحياتية.

أما القبض فيعني التقييد أو التقليص في فهم الشريعة، حيث تُملي الظروف أو الأوضاع الاجتماعية أو السياسية الحاجة إلى العودة إلى القيم التقليدية الثابتة والابتعاد عن الاجتهادات المتجددة. يرمز القبض إلى فترات التاريخ التي قد تتسم بالتحفظ أو الانغلاق في تفسير النصوص الدينية أو تطبيقها.

ثانيًا: البسط والقبض في الفكر الديني الإسلامي

في الفكر الإسلامي التقليدي، يُعتقد أن الشريعة هي مجموع الأحكام الثابتة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان. ومع ذلك، كان عبد الكريم سروش يعتقد أن الشريعة ليست مجموعة من الأحكام الجافة أو القوانين الجامدة، بل هي نظام حي يتفاعل مع واقع الإنسان. لذلك، نظر سروش إلى نظرية البسط والقبض على أنها إحدى أدوات فهم الشريعة بشكل يتسم بالمرونة ويتيح لها القدرة على التفاعل مع التطورات المعاصرة.

سروش يعبر عن أن الشريعة، في جوهرها، تحتوي على لحظات من البسط والقبض، وهذه التغيرات يمكن أن تكون مفيدة في تفسير كيفية تطبيق النصوص الدينية في الأزمنة المختلفة. في نظره، يمكن أن تُبسط الشريعة عندما تنفتح على تطور الفكر وتستوعب التغيرات الاجتماعية، بينما تُقبض في فترات معينة من التاريخ أو في المجتمعات التي تتمسك بتفسير تقليدي للأحكام.

ثالثًا: تأثير فكر عبد الكريم سروش على الشريعة الإسلامية المعاصرة

  1. الاجتهاد والتجديد: سروش يعتقد أن الإسلام لا يمكن أن يظل ثابتًا في عصر يتسم بالتحولات الفكرية والاجتماعية المستمرة. وفقًا لفكرته حول البسط، يجب أن يكون هناك تجديد في الاجتهاد والفتوى ليتناسب مع التغيرات الزمانية والمكانية. فالنظرة إلى الشريعة على أنها قابلة للتوسع تتيح المجال لتفسيرات مرنة تأخذ بعين الاعتبار تطور المجتمعات.

  2. الشريعة والعصر الحديث: سروش ينظر إلى الشريعة على أنها قابلة للتطور، وهو ما يعني أنها لا تتوقف عند مرحلة معينة من الفهم. في عصرنا الحاضر، ومع التحديات السياسية والاجتماعية التي يواجهها المسلمون، فإن سروش يروج لفكرة أن الشريعة يجب أن تتفاعل مع التحولات المعاصرة مثل حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والحرية الفردية.

  3. القبض والجمود: في فترات معينة من التاريخ، قد يحدث نوع من الجمود الفكري الذي يُفضّل التمسك بالتفسير التقليدي أو الحرفي للنصوص. سروش كان ناقدًا لهذا النوع من التحجّر، داعيًا إلى أن الشريعة يجب أن تتمتع بمرونة كافية لمواكبة التطور الاجتماعي.

  4. البسط والقبض في السياسة: كما أن نظرية البسط والقبض تنعكس أيضًا على العلاقة بين الشريعة والسياسة. ففترات "البسط" قد تتسم بالحريات الدينية والسياسية، حيث يتم تطبيق الشريعة بمرونة على أساس الفهم الأوسع للنصوص. أما فترات "القبض" فقد تكون مرافقة للأنظمة التي تسعى لتقييد الحريات، حيث يتم إغلاق الأفق السياسي والديني وفرض فهماً ضيقًا للشريعة.

رابعًا: نقد ونقاط ضعف نظرية البسط والقبض

بينما قدّمت نظرية البسط والقبض في فكر سروش تفسيرًا مرنًا للشريعة الإسلامية، فقد واجهت بعض الانتقادات من بعض الأوساط الدينية والفكرية التي ترى أن هذه النظرة قد تُفرغ الشريعة من صفتها الثابتة وتسمح بتأويلات غير دقيقة. يرى هؤلاء النقاد أن الشريعة الإسلامية تحتوي على مبادئ أساسية ثابتة لا يمكن التلاعب بها تحت أي ظرف من الظروف.

إلا أن سروش رد على هذه الانتقادات بالتأكيد على أن الشريعة ليست مجموعة من القوانين الجافة، بل هي مجموعة من المبادئ التي يمكن أن تكون قابلة للتنفيذ بطرق متعددة، ويجب أن تكون تلك المبادئ مرنة بما يتناسب مع الظروف المتغيرة.

خاتمة

نظرية البسط والقبض في فكر عبد الكريم سروش تفتح أفقًا جديدًا لفهم العلاقة بين الشريعة والواقع المعاصر. بتأكيده على مرونة الشريعة وقابليتها للتكيف مع تطور الزمن، يطرح سروش بديلاً عن الفهم التقليدي الجامد الذي قد يعيق التفاعل مع التحولات الثقافية والاجتماعية. هذه النظرية تدعو إلى اجتهاد مفتوح ومتنوع يراعي السياقات المختلفة، مما يسهم في تجديد الفكر الديني وإثراء الحياة الإسلامية في العصر الحديث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق