الجمعة، 31 يناير 2025

السادات ونمو الجماعات الاسلامية

نمو الجماعات الإسلامية في عصر السادات: الأسباب والتطورات والنتائج

شهدت فترة حكم الرئيس المصري أنور السادات (1970-1981) نمواً ملحوظاً للجماعات الإسلامية، سواء المعتدلة أو المتطرفة، حيث لعبت مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية دوراً رئيسياً في ذلك. كان لهذا النمو تداعيات عميقة على الحياة السياسية في مصر، واستمر تأثيره حتى العقود اللاحقة.


أولًا: العوامل التي ساهمت في نمو الجماعات الإسلامية

1. سياسات السادات وتوظيفه للإسلاميين

بعد تولي السادات الحكم، واجه تحديات عديدة، أبرزها الصراع مع التيار الناصري واليساري الذي كان مهيمنًا خلال عهد عبد الناصر. ومن أجل مواجهة النفوذ اليساري، تبنى السادات استراتيجية دعم التيارات الإسلامية، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين، على أمل استخدامها كقوة موازنة للتيارات اليسارية.

  • أفرج عن العديد من المعتقلين الإسلاميين الذين سجنوا في عهد عبد الناصر.
  • سمح بعودة أنشطة الجماعات الإسلامية في الجامعات، مثل "الجماعة الإسلامية" و"جمعية أنصار السنة".
  • دعم المؤسسات الدينية الرسمية مثل الأزهر، ومنحها دورًا أكبر في الحياة العامة.

2. المناخ الاجتماعي والاقتصادي

شهدت مصر خلال السبعينيات تحولات اقتصادية عميقة مع تطبيق سياسة "الانفتاح الاقتصادي"، التي أدت إلى تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. هذا التفاوت الاقتصادي ساهم في تصاعد الغضب الاجتماعي، مما وفر أرضية خصبة لنمو الجماعات الإسلامية، التي قدمت نفسها كبديل أخلاقي واجتماعي قادر على تحقيق العدالة الاجتماعية.

  • تفاقم الفقر والبطالة، خاصة بين الشباب المتعلم، دفع الكثيرين إلى البحث عن هوية بديلة وجدواها في التيارات الإسلامية.
  • الهجرة الواسعة للعمال المصريين إلى دول الخليج، حيث تأثروا بالفكر الوهابي، وساهموا في نشره بعد عودتهم إلى مصر.

3. ضعف القوى السياسية المعارضة

أدى القمع السياسي الذي تعرضت له التيارات اليسارية والناصرية إلى تراجع دورها في الشارع، مما أفسح المجال أمام الجماعات الإسلامية لملء الفراغ السياسي.


ثانيًا: تطور الجماعات الإسلامية في السبعينيات

1. الجماعة الإسلامية في الجامعات

ظهرت "الجماعة الإسلامية" في الجامعات المصرية خلال منتصف السبعينيات، حيث بدأت كتنظيم طلابي يهتم بالدعوة الإسلامية، لكنه تحول لاحقًا إلى كيان أكثر تنظيماً وتأثيراً. كانت هذه الجماعة ذات طابع سلفي متأثر بالأفكار القادمة من السعودية، لكنها انقسمت لاحقًا إلى عدة تيارات، منها ما اتجه للعنف.

2. عودة جماعة الإخوان المسلمين

رغم أن الإخوان لم يحصلوا على اعتراف رسمي، إلا أنهم استغلوا سياسة الانفتاح في السبعينيات لإعادة بناء تنظيمهم. ركز الإخوان على العمل الاجتماعي والدعوي، واستخدموا الجمعيات الخيرية والمساجد كأدوات لتعزيز نفوذهم.

3. ظهور الجماعات الجهادية

في أواخر السبعينيات، بدأت بعض الجماعات الإسلامية تتبنى العنف المسلح، وكان أبرزها:

  • جماعة التكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفى، التي تبنت فكرة تكفير المجتمع وضرورة العزلة عنه.
  • تنظيم الجهاد بقيادة محمد عبد السلام فرج، الذي رأى أن الحل يكمن في "الجهاد ضد الحاكم" باعتباره العائق الأساسي أمام تطبيق الشريعة الإسلامية.

ثالثًا: المواجهة بين السادات والجماعات الإسلامية

1. تحول الجماعات الإسلامية إلى المعارضة

على الرغم من دعم السادات الأولي للإسلاميين، إلا أن العلاقة بينهم توترت في أواخر السبعينيات لعدة أسباب:

  • توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979، التي اعتبرتها الجماعات الإسلامية خيانة للقضية الفلسطينية.
  • سياسات السادات الداخلية، وخاصة حملته ضد المعارضة عام 1981، التي شملت اعتقال العديد من قيادات الإسلاميين.
  • محاولات السادات للحد من نفوذ الجماعات الإسلامية بعد أن شعر بأنها أصبحت تهديدًا له.

2. اغتيال السادات (1981)

توج هذا الصراع باغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981 خلال عرض عسكري، على يد مجموعة من أعضاء تنظيم الجهاد بقيادة خالد الإسلامبولي. كانت هذه العملية نقطة تحول رئيسية في تاريخ الجماعات الإسلامية في مصر، حيث أدت إلى حملة قمعية واسعة ضدهم خلال عهد حسني مبارك.


رابعًا: تداعيات نمو الجماعات الإسلامية

1. التأثير على المشهد السياسي

  • تحولت الجماعات الإسلامية إلى قوة رئيسية في السياسة المصرية، حيث استمر تأثيرها في العقود التالية، سواء عبر النشاط الدعوي أو عبر المواجهات مع الدولة.
  • أدى القمع الذي واجهته الجماعات الجهادية إلى تطورها لاحقًا إلى أشكال أكثر تطرفًا خلال التسعينيات.

2. تعزيز التيارات الإسلامية في المجتمع

  • أصبحت أفكار الإسلام السياسي أكثر انتشارًا في المجتمع المصري، حيث لعبت الجماعات الإسلامية دورًا في نشر القيم الدينية المحافظة.
  • ازداد تأثير المؤسسات الدينية مثل الأزهر في صنع القرار السياسي والاجتماعي.

3. استمرار الصراع بين الإسلاميين والدولة

  • على الرغم من محاولات مبارك احتواء الإسلاميين، إلا أن الجماعات الإسلامية استمرت في نشاطها، سواء عبر جماعة الإخوان المسلمين التي ركزت على العمل السياسي، أو التنظيمات الجهادية التي واصلت المواجهة المسلحة.

كان عصر السادات مرحلة مفصلية في تطور الجماعات الإسلامية في مصر، حيث شهدت هذه الفترة صعودًا غير مسبوق لها، ساهمت فيه سياسات الدولة، والأوضاع الاقتصادية، والتغيرات الاجتماعية. وعلى الرغم من أن السادات حاول توظيف هذه الجماعات لخدمة أهدافه السياسية، إلا أن الأمور خرجت عن سيطرته، وانتهى الأمر باغتياله على يد بعضهم. ظلت آثار هذه المرحلة ممتدة لعقود، وأثرت بشكل كبير على شكل العلاقة بين الإسلاميين والدولة في مصر حتى اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق